2011/04/23

الغرب من منظور ثقافي - بقلم: المستشار طارق البشري




في مجال العلاقات مع الغرب من الناحية الثقافية، فإن الأمر أوسع من أن يعرض في فقرة قصيرة؛ لأنه مشتبك بعديد من المسائل السياسية مع الغرب وبعديد من الاختلافات الفكرية بين المواطنين بعضهم وبعض، وحسبي الإشارة إلى بعض الجوانب.
وإن الغرب الثقافي، سواء كان مسيحيًّا أو علمانيًّا يبدو مكتفيا بذاته، والسائد منه أنه لا يرى احتياجا له في أي من ثقافاتنا أو عقائدنا، سواء بالنسبة لثقافة المسلمين أو بالنسبة لثقافة المسيحيين الشرقيين.

والغرب الثقافي يقيس تقدم الشعوب الأخرى بقدر قربها منه، ويقيس تأخرها بقدر بعدها عنه، ويحكم على حركتها إيجابا وسلبا بحركة اقترابها منه أو ابتعادها عنه، فهو معيار التقدم ومرجع الشرعية والاحتكام.



والغرب الثقافي أيضا، يعتبر نفسه هو العالم، وقسم تاريخ العالم كله، قديمه ووسطه وحديثه، حسب تقسيمه لتاريخه هو، فسقوط روما هو العلامة الفاصلة بين التاريخ القديم والتاريخ الوسيط، وسقوط القسطنطينية ثم النهضة في غرب أوروبا هو العلامة الفاصلة بين التاريخ الوسيط والتاريخ الحديث. وأطلق على التاريخ العالمي وصفه لتاريخه هو، فالعصور الوسطى هي عصور الظلمات برغم أنها لدى المسلمين عصر تنوير ديني وعقلي وعصر استنارة أيضا.

والغرب الثقافي أيضا استخلص النظريات السياسية والاجتماعية من واقع خبرته التاريخية هو، استخرج قوانين تطور المجتمعات وخصائصها من تجاربه هو، وسمى العصور الاجتماعية وحدد خصائصها وفقا لذلك، سواء العصر العبودي أو الإقطاعي أو الرأسمالي... وهكذا، واعتبر مدارسه الاجتماعية هي ما يشكل قوانين تطور البشرية في العالم كله. ونظر إلى تجارب الشعوب غير الغربية ليقيسها بذات مقياس نظره التاريخي والفكري المستخلص من تجربته الذاتية. فما شابه من تجارب الآخرين تجربته أكدت صحة استخلاصه، وما خالفها أبقاها نتوءا أو شذوذا على نظرته التاريخية، وفسرها البعض بأنها "شبه إقطاعي" "شبه رأسمالي" وهكذا.. وفي الجملة أبقيت تجارب الآخرين المخالفة بحسبانها تجارب "خارج السياق".

ونحن نلحظ في العديد من كتابات المستشرقين عن الحضارة الإسلامية أو أي من حضارات الشرق أنهم نظروا إليها لا نظرة دارس محاور ولكن نظرة دارس تجاه موضوع يدرسه، بمعنى أنه نظر إليها وحكم عليها في ضوء معايير مستخلصة من واقع تجاربه الثقافية والحضارية وحدها، بغير جهد لاستخلاص معايير للحكم تجاوز كلا من الحضارتين الثقافتين أو تتصل بالمشترك العام بينهما. ولا يتسع المقام لذكر الأمثلة ولكن تكفي الإشارة السريعة لنظم الحكم مثلا ولنظم الأسرة وغير ذلك.

ومن هنا فإن موضوع الحوار مع الغرب في الشأن الثقافي يتعين أن يأخذ من جانبنا أول ما يأخذ بالاعتبار بأن الأفكار الغربية عن التقدم والحضارة والنظم وغير ذلك، إنما جنحت أحيانا من خصوص التجربة الغربية إلى عموم الخبرات البشرية والعالمية دون دليل مستمد من الاستقراء التاريخي، وأنها من ثم جنحت أحيانا إلى اعتبار ما هو مذهب أو وجهة نظر، إلى اعتباره "قانونا" اجتماعيا أو تاريخيا يصدق على الكافة.