2011/05/15

سوف تأتى ساعة الحساب ~ مصطفى محمود


اليهود يجرفون الأرض الفلسطينية ويهدمون البيوت علي رؤوس ساكنيها ويزرعون الألغام لتتفجر في الأطفال وتعتقل كل عابر سبيل ويقولون إن ما يفعلونه هو الدفاع عن النفس أمام الإرهاب الفلسطيني من يرهب من؟

العسكري الإسرائيلي الذي يركب دبابات كالأفيال ويطلق رشاشاته،‏ وهو آمن داخل قبة مصفحة من الصلب‏…‏ أم الطفل الفلسطيني الذي يرشقة بالحجارة‏…‏؟‏!‏

الــ إف‏16‏ التي تنقض كالشبح من السماء لتسوي البيوت بالأرض‏…‏ أم الأولاد الذين يهربون وظهورهم مكشوفة للرشاشات الإسرائيلية‏…‏؟؟‏!!‏

إنها الموضة الجديدة‏…‏ الإرهاب

قل الإرهاب‏..‏ وافعل ما تشاء وارتكب كل جريمة فأنت في أمان ولك عذرك والقافلة الإسرائيلية تسير في حمي القيادة الأمريكية وتستلهم الربان الكبير‏…‏ وطائرات الربان الكبير تجوب أجواء أفغانستان وتقصف البيوت والقوافل والسيارات وتأتي البلاغات بقتل المئات في خوست وفي قندهار وفي كابول ويعترض حاكم افغانستان الجديد كارازاي ويقول لقد قتلت الغارات الأمريكية الوفود التي كانت قادمة بالقنابل الافغانية‏..‏ وهذا لا يليق ويطالب كارازاي بوقف هذا القصف العشوائي تمهيدا لعودة الحياة الطبيعية إلي البلاد ولكن أين الحياة الطبيعية ورائحة بن لادن تملأ الهواء الأفغاني والملا عمر ابتعله الجب‏…‏

والإرهاب هو النغمة السائدة والابراج المشتعلة تواصل الظهور الدوري في جميع الفضائيات تطلب الانتقام بلسان الحال وشرائط بن لادن تطارد دونالد رامسفيلد عبر قناة الجزيزة‏….‏ وتحرمه من النوم‏..‏ وتهدده بأن الزوبعة العسكرية التي اطلقها في أجواء العالم‏…‏ يمكن أن تنتهي إلي لاشيء‏..‏ والخطر يمكن أن يتضاعف‏..‏ وعواصف الرعب لن تقدم حلا‏…‏ فالمجرم طليق ويمكن أن يفعل أي شيء‏..‏ وكل شيء محتمل ومع قدوم العام الجديد واحتفالات اعياد الميلاد تضيئ سموات العالم بالعاب نارية من نوع آخر وصواريخ جالبة للمرح وهدايا بابا نويل يحملها لأطفال العالم،‏ ومعها تمنيات بعام سعيد وعمر مديد‏..‏ ولكنه في القلوب هم ثقيل‏….‏ وبعض الألعاب النارية تتحول إلي حرائق فعلية‏..‏ وغابات استراليا تشتعل بحرائق حقيقية وتؤذن بخراب حقيقي‏.‏

إن الإنسان لا يستطيع أن يصنع السعادة بمجرد أن يشتري دمية اسمها بابا نويل‏…‏ وهو في صناعته للبؤس أكثر نجاحا‏…‏ وفي صناعته للموت عبقري‏…‏

ومن رحمة الله أن الواحد منا لا يعلم ماذا سيصيبه غدا‏..‏ وأن الواحد منا يسير وعلي عينيه عصابة‏…‏ وربما لو رفعت تلك العصابا ورأي الغيب لفر هاربا ليطلب الموت إينما وجده اننا نعيش في شريحة مخيفة من الزمن‏…‏ وبرويز مشرف وفاجباي يقفان علي شفا حرب نووية‏..‏ وكانت أقصي الأخطار في الماضي مبارزات السيوف وتراشق الخناجر‏..‏ وقابيل قتل هابيل بحجر‏..‏ أما اليوم فاننا نتبارز علي فوهات براكين‏…‏ والموت الشامل يهدد الكل‏…‏ والقنابل النووية علي رؤوس الجميع‏.‏

وكان المفروض أن تقودنا سعة العلم إلي الحكمة،‏ ولكنها شجعتنا أكثر علي الحماقة وأصبح الهدف العاجل أن نحقق فيما تبقي من دقائق العمر كل شئ‏…‏ وكانت النتيجة أننا نخسر دائما كل شئ‏..‏ وأكلت العجلة أحلي سنين العمر‏.‏

ومن رحمة الله أن أسدل علي عيوننا حجاب الغيب،‏ وكان هذا هو الامتحان الأعظم فنحن جميعا عميان بالرغم من أننا مبصرون‏…‏ لا نملك إلا الحدس والاستشفاف والتخمين بالمستقبل‏.‏

ألم أقل لك أن الله وضع في الإنسان الفرد كل عناصر الملهاة والمأساة ثم أطلقه في الأرض حرا ليعرف حقيقة قلبه وعين اختياره‏.‏
إن حرية الإنسان كانت بداية الملهاة والمأساة‏.‏

وامتداد العمر يعطي الوهم بالخلود بينما يحمل كل إنسان نفسه علي كفية في كل خطوة ويموت موتا في كل لحظة ويحترق احتراقا مع كل برهة زمان ويخرج مع انفاسه مخلفات هذا الاحتراق،‏ كما الشعلة التي تأكل نفسها شيئا فشيئا حتي تصبح ترابا‏.‏

ويبدو رجل مثل شارون ذروه في الغباء والحمق،‏ وهو يحاول أن يهدم المعبد علي من فيه ويرفع راية نصر وهمي‏…‏ ويحاول أن يسابق الزمن ويبدأ من النهاية‏…‏ من القتل‏..‏ ليصل إلي القتل‏…‏ ويستمر يحرث في بحر غبائه ويجري في حلبه من الوهم‏..‏ وينسي أنه يتآكل،‏ وأن كل شئ حولة يتآكل‏..‏ وأن الجبال الشوامخ تتآكل والقمم تتآكل وأنه يحرث في بحار الوهم‏.‏

وليسوا حكماء من سموا أنفسهم بحكماء آل صهيون‏..‏ بل هم بمكرهم وأفعالهم من أغبياء آل صهيون،‏ ومن أدعياء آلي صهيون‏..‏ وانهم لا أكثر من حفنة المتآمرين الذي يمكرون بالعالم‏..‏ وهم في النهاية بأنفسهم يمكرون‏.‏

وعودا إلي التاريخ وإلي ما يجري في أفغانستان‏..‏ نقول أن الله اراد في سابق علمه إن يضع نهاية لتشدد طالبان ولمذهبها الحنبلي الذي صوروه للدنيا بأنه حقيقة الإسلام‏…‏ وما كان لشخص أن ينفرد بوضع تحديد لتطور الإسلام في الزمن إلا نبي الإسلام الملهم من الله وقد ترك نبينا فهم الإسلام مفتوحا باتساع القرآن علي مدي ما يستجد من أفهام وعقول المجتهدين‏…‏ وما كان لابن حنبل أو غيره أن يسجن الاسلام في فهم مقفل بأقفال التحريم والترهيب‏…‏ وإنما اراده الله نهرا يتجدد بما يصب فيه من روافد الاجتهاد‏…‏ إلي آخر الزمان‏..‏

هكذا كانت إرادة الله
وما حدثت إلا إرادته وما جرت الا مشيئته ولكن الله يخفي إرادته في أسبابه
والله يسخر لأسبابه من يريد دون أن يدري بحقيقة ما يريد
والله اراد الإسلام تحريرا لطاقات الرجل والمرأة البناءة وطاقات المرأة كانت بالفعل سجينة ومعطله في الإطار الطالباني الحنبلي والله يمكن أن يسخر للإسلام حتي اعداء الإسلام‏…‏

والتاريخ كله يقول بهذا‏..‏ أن الله كان يسخر للإسلام حتي أعداء الإسلام كما كان يسخر محبيه وأنصاره،‏ وقد خرج كبار المفكرين الاسلاميين المجددين من قلب أوروبا،‏ ومن داخل الغرب العدواني‏..‏ جارودي من فرنسا وبيجوفتش المفكر السياسي المجدد من البوسنة ومراد هوفجان من المانيا ومحمد أسد المفكر اليهودي من اقصي الغرب‏..‏

والأمير تشارلز وريث العرش البريطاني كان دائما يقول إن الإسلام حضارة،‏ وليس مجرد شعائر،‏ وهو لا يخفي احترامه لهذا الدين في جميع المناسبات رغم كل ما حدث كان استمرار النهج الطالباني إذن إستحالة في هذا العصر،‏ ولا اظلم أحدا فالملا عمر وأفعاله تغفر لهم حسن النيات وهم مسلون مخلصون في حدود فهمهم،‏ ولكن حسن النيات لا يبرر الجمود‏.‏

وبالمثل نقول إنه يخطئ كثيرا من يتصور أن ايدي الامريكان طالت الإسلام وأنها ستغير وتبدل فيه ما تشاء‏…‏ ألم يصنع كمال اتاتورك بالإسلام ما أراد‏…‏

ولا اظن أن كمال اتاتورك فعل بالإسلام ما اراد‏..‏ بل فعل ما أراد الاتراك أنفسهم الذين عشقوا الفرنجة الأوروبية أكثر من الأوروبيين أنفسهم‏…‏ ومازالت اقصي أمنيات الاتراك هي الالتحاق بأوروبا وبالنهج الأوروبي‏…‏ وما فعلوا بأنفسهم إلا ما ارادوا‏.‏

والله بعدله يترك الناس لخياراتهم ثم يحاسبهم علي هذه الخيارات‏…‏ ولكن ليس في سنن الله قهر أحد من خلق علي غير طبيعته‏..‏ لأن الأفعال والطبائع هي موضوع المحاسبة ومحل الجزاء وليس النوايا كان هناك إذن خلفية من الحكمة الإلهية وراء كل ما حدث،‏ أما الكيفية الإجرامية التي حدث بها فإنها أمر له حساب آخر‏….‏ وأمريكا ليست الإمام الشافعي‏..‏ ولم تكن تنظر إلي إصلاح شأن الأفغان‏…‏ بل كانت تهدف إلي بترول بحر قزوين‏..‏ ألم تدفع ‏8‏ مليارات دولار مهرا للاوزبكستان الفقيرة لتحجز لها موضع قدم ومرتكزا دائما للقوات الأمريكية علي شاطئ بحر قزوين‏..‏ إنها أطماع وهي اطماع واهداف لها حساب آخر ولها موازين أخري عند العليم الذي لا يغفل ولا ينام‏…‏ وتدخل في بند آخر اسمه بند الاستعمار والاستغلال والاستغفال‏…‏ ولكل بند حسابه وعقابه‏.‏

رغم كل المأسوية والإجرامية والجبروت فيما جرت أخيرا فهناك منطق،‏ وهناك حكمة وهناك خطأ في الحسابات من البداية‏..‏ اسمه التشدد والتطرف والمغالاة في فهم الإسلام وتطبيقه‏..‏ وهناك ظلم وقع علي المرأة الافغانية‏.‏

ولن يحتسب ما فعل الأمريكان عند الله إصلاحا‏..‏ فما كانت النية منذ البداية إصلاحا‏..‏ وما كان الهدف عند الامريكان الا اطماعا‏…‏ ولم تتجنب القذائف الأمريكية النساء وتختار الرجال،‏ بل قتلت الكل وسوت بالأرض كل شئ‏…‏ وكان الغزو يطلب كل شئ‏..‏ الأرض وأصحاب الأرض ومستقبل الأرض،‏ ومفاتيح السيطرة علي الأرض،‏ وسوف يقف في قفص الأتهام الكل‏…‏ القاتل والمتفرج ولن تستطيع نفس أن تخدع الخالق العليم الذي خلقها وأحاط بأسرارها علما،‏ والمشكلة ان الكل يتصور أن الحدث نهاية وخاتمة وإقفال للمحضر‏…‏ ولا أحد يفكر أن العكس هو ما سوف يحدث‏…‏ ان الموت هو البداية‏..‏ وأنه المفاجأة الصاعقة التي اسمها الحساب‏.‏
وساعتها لا وسط‏…‏

إنه نعيم الأبد أو جحيم الأبد‏…‏
ولا مهرب‏..‏
ولا اعتذار‏.‏.

د. مصطفى محمود
6-6-1998